سورة يوسف - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يوسف)


        


{قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ (14)}
القسم محذوف تقديره: والله {لَئِنْ أَكَلَهُ الذئب} واللام موطئة للقسم. وقوله: {إِنَّا إِذَا لخاسرون} جواب للقسم مجزئ عن جزاء الشرط، والواو في {وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} واو الحال: حلفوا له لئن كان ما خافه من خطفة الذئب أخاهم من بينهم- وحالهم أنهم عشرة رجال، بمثلهم تعصب الأمور وتكفي الخطوب- إنهم إذاً لقوم خاسرون، أي هالكون ضعفاً وخوراً وعجزاً. أو مستحقون أن يهلكوا لأنه لا غناء عندهم ولا جدوى في حياتهم. أو مستحقون لأن يدعي عليهم بالخسارة والدّمار، وأن يقال: خسرهم الله ودمّرهم حين أكل الذئب بعضهم وهم حاضرون. وقيل: إن لم نقدر على حفظ بعضنا فقد هلكت مواشنا إذاً وخسرناها فإن قلت: قد اعتذر إليهم بعذرين، فلم أجابوا عن أحدهما دون الآخر؟ قلت: هو الذي كان يغيظهم ويذيقهم الأمّرين فأعاروه آذاناً صما ولم يعبؤوا به.


{فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (15)}
{أَن يَجْعَلُوهُ} مفعول {أَجْمَعُواْ} من قولك: أجمع الأمر وأزمعه {فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ} [يونس: 71]. وقرئ: {في غيابات} الجب: وقيل هو بئر بيت المقدس. وقيل: بأرض الأردنّ وقيل: بين مصر ومدين. وقيل: على ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب. وجواب (لما) محذوف. ومعناه: فعلوا به ما فعلوا من الأذى، فقد روي أنهم لما برزوا به إلى البرّية أظهروا له العدواة وأخذوا يهنونه ويضربونه، وكلما استغاث بواحد منهم لم يغثه إلا بالإهانة والضرب، حتى كادوا يقتلونه. فجعل يصيح: يا أبتاه، لو تعلم ما يصنع بابنك أولاد الإماء، فقال يهوذا: أما أعطيتموني موثقاً أن لا تقتلوه؟ فلما أرادوا إلقاءه في الجب تعلق بثيابهم فنزعوها من يده، فتعلق بحائط البئر فربطوا يديه ونزعوا قميصه، فقال: يا إخوتاه، ردّوا عليّ قميصي أتوارى به، وإنما نزعوه ليلطخوه بالدم ويحتالوا به على أبيهم، فقالوا له: ادع الشمس والقمر والأحد عشر كوكباً تؤنسك، ودلوه في البئر، فلما بلغ نصفها ألقوه ليموت، وكان في البئر ماء فسقط فيه ثم أوى إلى صخرة فقام عليها وهو يبكي، فنادوه فظنّ أنها رحمة أدركتهم، فأجابهم فأرادوا أن يرضخوه ليقتلوه فمنعهم يهوذا، وكان يهوذا يأتيه بالطعام. ويروى أن إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار وجرّد عن ثيابه أتاه جبريل بقميص من حرير الجنة فألبسه إياه، فدفعه إبراهيم إلى إسحاق، وإسحاق إلى يعقوب، فجعله يعقوب في تميمة علقها في عنق يوسف، فجاء جبريل فأخرجه وألبسه إياه {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ} قيل أُوحي إليه في الصغر كما أُوحي إلى يحيى وعيسى: وقيل كان إذا ذاك مدركاً.
وعن الحسن: كان له سبع عشرة سنة {لَتُنَبّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا} وإنما أُوحي إليه ليؤنس في الظلمة والوحشة، ويبشر بما يؤول إليه أمره. ومعناه: لتتخلصن مما أنت فيه، ولتحدّثن إخوتك بما فعلوا بك {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} أنك يوسف لعلوّ شأنك وكبرياء سلطانك، وبعد حالك عن أوهامهم، ولطول العهد المبدّل للهيئات والأشكال، وذلك أنهم حين دخلوا عليه ممتارين فعرفهم وهم له منكرون، دعا بالصواع فوضعه على يده، ثم نقره فطنّ فقال: إنه ليخبرني هذا الجام أنه كان لكم أخ من أبيكم يقال له يوسف، وكان يدنيه دونكم، وأنكم انطلقتم به وألقيتموه في غيابة الجب، وقلتم لأبيكم: أكله الذئب، وبعتموه بثمن بخس. ويجوز أن يتعلق {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} بقوله {وَأَوْحَيْنَا} على أنا آنسناه بالوحي وأزلنا عن قلبه الوحشة، وهم لا يشعرون ذلك ويحسبون أنه مرهق مستوحش لا أنيس له وقرئ: {لننبئنهم} بالنون على أنه وعيد لهم. وقوله: {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} متعلق بأوحينا لا غير.


{وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ (16) قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (17)}
وعن الحسن {عشيا} على تصغير عشيّ يقال: لقيته عشيا وعشياناً، وأصيلا وأصيلاناً ورواه ابن جني: عشى، بضم العين والقصر. وقال عشوا من البكاء.
وروي أن امرأة حاكمت إلى شريح فبكت فقال له الشعبي: يا أبا أمية، أما تراها تبكي؟ فقال: قد جاء إخوة يوسف يبكون وهم ظلمة: ولا ينبغي لأحد أن يقضي إلا بما أمر أن يقضي به من السنة المرضية.
وروي أنه لما سمع صوتهم فزع وقال: ما لكم يا بنيّ؟ هل أصابكم في غنمكم شيء؟ قالوا: لا. قال: فما لكم وأين يوسف؟ {قَالُواْ يأَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ} أي نتسابق، والافتعال والتفاعل يشتركان كالانتضال والتناضل: والارتماء والترامي، وغير ذلك. والمعنى: نتسابق في العدو أو في الرمي. وجاء في التفسير: ننتضل {بِمُؤْمِنٍ لَّنَا} بمصدّق لنا {وَلَوْ كُنَّا صادقين} ولو كنا عندك من أهل الصدق والثقة، لشدّة محبتك ليوسف، فكيف وأنت سيء الظن بنا، غير واثق بقولنا.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8